فيروس الإله (1)
كيف يؤثّر الدين على حياتنا وثقافتنا
بقلم داريل راي
ترجمة إبراهيم جركس
((رجال القواقع يحملون أصدافهم أينما حلّوا وذهبوا، إكسر قواقعهم وسيتساقطون باكين مصدر أمنهم الوحيد والمفقود))
[الفيلسوف الأسترالي جون باسمور]
للدين تأثيرات يومية عظيمة على مختلف نواح حياتنا وبطريقة لا يمكننا ملاحظتها أو إدراكها. فهو الذي يدفع عمّك نيد للصلاة من أجلك ساعات طويلة، وهو الذي يعطي جارتك المعمدانية سبباً لنبذ ولدها الوحيد فقط لأنه تزوّج من فتاة كاثوليكية. هو الذي يعطي أختك المتشدّدة سبباً لتصفع أولادها مخافة أن يكون مصيرهم الجحيم. الذين هو الذي يدفع القس أو الكاهن لإنكار دافعه الجنسي، وهو السبب في أنّ هناك الكثير من الناس الذين يدفعون أموالاً ومبالغ طائلة للجمعيات والمنظمات الدينية، وهو السبب الذي يمنعك من التحدّث مع ابنة عمّك جيني مخافة أن تقنعك بالانضمام لجماعة شهود يهوه. للذين أثار واضحة من جهة وغير ملحوظة من جهة أخرى عليك وعلى المجتمع في آن واحد.
هذا الكتاب يبحث في أثر الدين عليك وعلى العالم من حولك. إنه يفتح الستائر ويقدّم طرقاً وأساليب جديدة لفهم الظاهرة الدينية، ويساعد على اتخاذ قرارات رؤيوية بشأنها.
هل تسائلت من قبل ما الذي يمنح الدين قوته وسلطته تلك؟ ما الذي يجعل الناس يقرّون بإيمانهم العميق رغم أنهم قد لا يمارسون شعائر هذا الإيمان؟ ما الذي يجعل الناس يتعامون عن كافة النواحي والنقاط غير العقلانية والمتناقضة في دياناتهم بينما يرون بوضوح عيوب وتناقضات ديانات غيرهم؟ وكيف تجد هذه الأمور طريقنا إلى أنظمتنا السياسية؟ فإذا كانت هذه التساؤلات تعنيك بشيء وتهمّك، فهذا الكتاب سيساعدك على فهم سلطة الدين عليك، وعلى عائلتك وثقافتك.
منذ آلف السنين تمكّن الدين من اختراق مجتمعاتنا، وفرض سيطرته عليها من دون أي تحدٍ أو مسائلة. كان موجوداً بكلّ بساطة. أمّا هؤلاء الذين حاولوا مسائلة الدين أو تبيان تناقضاته تمّت محاكمتهم أغلب الأحيان، أحرقت كتبهم، وأعدموا في أغلب الحالات. من غاليليو حتى داروين، من سلمان رشدي حتى ثيو فان كوغ [1]، إذ كان محظوراً مسائلة أو انتقاد أو مجرّد محاولة توضيح ما كانت تقول عنه الكنيسة أو الكاهن أو الإمام بأنه غير قابل للتوضيح.
قبل اكتشاف الجراثيم والطفيليات الممرضة ووضع نظرية علمية تفسّر الأمراض، لم يكن المعالجون يملكون أدواتاً لفهم عملية حدوث المرض وانتقاله. كان القساوسة يخبرون الناس بأنّ المرض كان نتيجة الخطيئة والرذيلة، سببه الشيطان والأرواح الشريرة. ومع اختراع المجهر، أصبح العلماء يملكون أدوات جديدة لفهم المرض. بات بإمكانهم دراسة استراتيجيات العدوى، المناعة، علم الأوبئة، وأكثر من ذلك بكثير. فجأة تمّت إزالة الغطاء عن أسرار الأمراض القديمة، وأصبحت مفهومة ومدروسة. الطاعون الذي اجتاح أوروبا، الحمى الصفراء، الجدري، ذات الرئة، السل، الزهري...إلى ما هنالك من أمراض معدية أخرى، كلها باتت معروفة وتمّت إزالتها من تحت العباءة الدينية الإلهية ووضعت في مجال العلوم الأرضية الطبيعية.
العديد من الفلاسفة _من سبينوزا حتى فولتير، فيورباخ وماركس_ مهّدوا الطريق لفهم أفضل للدين ودوره في المجتمع، لكنّ الأمر بقي مبهماً حتى فكرة ريتشارد دوكينز عن "فيروس العقل Virus of the Mind" [2] حيث أصبح لدينا طريقاً معبّداً مسبقاً لفحص الظاهرة الدينية عن قرب كما نفحص فيروس الإنفلونزا عن قرب في علم الأوبئة. هذا الكتاب سيظهر كيفية بروز الأديان من كافة الأنواع في العالم الطبيعي، وكيف تجد عملها داخل عقولنا ومجتمعاتنا، وكيف أنها تشبه الجراثيم والطفيليات والفيروسات التي تغزو أجسادنا.
هذا الكتاب يدين بوجوده بشكل أساسي لكل من ريتشارد دوكينز ودانييل دينيت [3]، لكنّ هدفه هو السعي نحو الأمام أكثر ممّا مضى كل من هذين الفيلسوفين عن طريق أظهار كيف أنّ أفكارهما التطورية لها دور عظيم في حياتنا اليومية. فالنموذج الجديد الذي ابتكراه وروّجا له يفسّر سبب تطرّف العم نيد، والتصرّفات الجنسية لكبير أساقفة الكنسية الهابط، والممارسات التربوية القاسية التي تمارسها جارتك المتشددة على أطفالها. لماذا قام تسعة عشر رجلاً بخطف طائرات وإقحامها بمبنيي التجارة العالمية، أو لماذا تقوم النسوة بتفجير أنفسهنّ داخل سوق مكتظّ بالبشر الأبرياء في بغداد.
كأحد أفراد الثقافة الغربية، لابد أن تكون متأثراً بالتلقين الديني. بغضّ النظر عن نشأتك ومنبعك، فأنت تعيش ضمن محيط ديني وليس بيدك حيلة سوى شرب مياه هذا المحيط. هذا الكتاب سيساعدك على النظر إلى بعض المناطق التي قد أغفلتها خلال رحلتك. فالدوغما والعادات والشعائر والذنب والمعتقدات الدينية قد تؤثّر عليك بطرق قد لا تدركها.
خلال السنوات الأخيرة بدأت أتنبّه إلى الدور الذي يلعبه الذين بشكل متزايد في المجتمع. إذ يبدو أنّ الدين يقوم بحشر نفسه في المدارس، المحاكم، السلطات التشريعية، السياسات الرئاسية وألواح المدارس المحلية، صارفاً الانتباه والتركيز عن النقاشات العقلانية الجادة التي تبحث أمور ومشكلات العالم الطبيعي، كالثقافة العلمية، التطوير الاقتصادي، استراتيجيات الإغاثة في الكوارث والحروب [4]. خارج حدود الولايات المتحدة، العنف والقسوة التي تمارسها الجماعات المتطرّفة في مختلف أرجاء العالم باسم الدين تثبت لنا أهمية وضرورة دراسة الدين وفهم سلطته وخطورته. فهناك بعض الأشخاص المخيفين جداً ينشرون الكراهية والبغضاء. وكلماتهم التي يبشّرون بها تشبه إلى حدٍ كبير التعبيرات العرقية.
هنا أودّ أن أورد بعض الاقتباسات من بعض القادة المعروفين جيداً:
((أتمنى أن أعيش حتى اليوم الذي _كما في الأيام الأولى لدولتنا_ لن يكون هنا أيّة مدارس عامّة. إذ أنّ الكنائس ستستولي عليها، وستتمّ إدارتها على يد المسيحيين. سيكون يوماً سعيداً بالفعل!!)) [جيري فالويل] [5]
((لن يكون هناك أي سلام عالمي حتى يعطى بيت الرب وكافة أتباعه مكانهم القيادي الحقيقي في القمة)) [بات روبرتسون] [6]
((هدف المسيحيين السياسي بعيد المدى يجب أن يتمثّل في جمع أكبر قدر من السيطرة على الدستور. أمّا أولئك الذين يرفضون الخضوع علناً للأوامر والقيود الأزلية التي سنّها الرب عن طريق الخضوع لكنيسته التي تصون عهده _المعمودية والمناولة المقدّسة_ يجب حرمانهم من حق المواطنة، كما حدث بالضبط في إسرائيل القديمة)) [غاري نورث] [7]
((ما أريده فقط هو أن تجتاحكم موجة من التعصّب. أريد أن تجتاحكم موجة من البغضاء والكراهية. نعم، الكراهية أمر جيد... فهدفنا هو إقامة دولة مسيحية. نحن أمام واجب مقدّس، نحن أمام نداء الرب لفتح دولته المقدّسة على الأرض. نحن لا نريد زمن مساواة. لا نريد تعدّدية)) [راندل تيري] [8]
((نحن _بعون الله_ ندعو كل مسلم مؤمن وغيور على دينه أن ينصاع لشريعة الله التي تأمر بقتل الأمريكان وسبي نسائهم وأموالهم. كما أننا ندعو علماء المسلمين، وقاداتهم، وشبابهم، وجنودهم لشنّ الحملات والغارات على جنود أبليس من الأمريكيين وأعوانهم الشيطانيين، حتى يتعلّم الذين سيأتون من بعدهم الدرس)) [بيان أسامة بن لادن] [9]
كل واحد من الاقتباسات السابقة تحمل علامات وإشارات الكراهية، البغضاء، التعالي والاقتصار. لذا فالهدف الأساسي من هذا الكتاب هو توضيح قوة الدين وسلطته وقدرته الرهيبة على قيادة هذا النوع من طرق التفكير والتصرّف.
قال الفيلسوف الأسترالي جون باسمور إحدى المرات أنّ رجال القواقع يحملون أصدافهم أينما حلّوا وذهبوا، إكسر قواقعهم وسيتساقطون باكين مصدر أمنهم الوحيد والمفقود، وهذا الكتاب هو المحاولة لكسر وتحطيم تلك القواقع الخفية، وكشف الطريقة التي يتدخل فيها الدين بعنجهية في ثقافتنا وعقولنا ، ثمّ يعلّمنا كيف نحيا بدون تلك القيود أو القواقع.
تنبيه للاصطلاح
لقد استخدمت تعبير "اللاديني non-theist" لأشير إليك، أي القارئ. أودّ أن أشمل في تعبيري هذا كافة الفئات: الشكوكيون، المؤمنون، الملحدون، المفكرون الأحرار، الروحانيون، إلى آخر ما هنالك. قد تكون أنت أسقفياً، أو موحّداً، متشككاً، أو غير مؤمن، أو شخصاً روحانياً على الأقل. قد تكون متشدداً، متطرفاً، مؤمناً بالخرافات، أو عضو في طائفة دينية ما. ما تعتبر نفسك لا يهم هنا في شيء. إذا أني سأكتشف معك قوة الدين وسلطته على حياتنا وأقدّم لك نموذجاً جديداً بالكامل لفهم الدين وأثره على سلوكنا وعالمنا.
أخيراً، سأركّز على أسماء أرباب محدّدة مثل: الله، يهوه، زيوس، يسوع. فكلمة "رب" لن تعني شيئاً غير الأسماء السابقة إذا لم ترد في سياق اقتباس معيّن.
بنية الكتاب
ابتداءً بالصورة الكبيرة، سننتقل بعدها إلى الأمور الاجتماعية، السيكولوجية وأخيراً الشخصية. ففي الفصلين الأول والثاني سأفرد التشابهات والتماثلات التي تجمع بين الدين والعالم البيولوجي. في الفصول الثالث والرابع والخامس والسادس والسابع سأستكشف الجوانب الاجتماعية والسياسية والسيكولوجية للدين، ومن ضمنها مواضيع معيّنة كتقنيات التنويم المغناطيسي التي يمارسها المبشرون على الناس، العامل أو الدور الجنسي، عامل الشعور بالذنب، الأخلاقيات الدينية، الشخصية، والذكاء. في الفصول الثامن والتاسع والعاشر سأتفحّص الأثر الديني على حياتك وعائلتك.
بإمكانك إيجاد أدوات وطرق جديدة لفهم تاريخك الديني أو تربيتك ونشأتك الدينية. أخيراً، الفصلين الحادي والثاني عشر كرّستهما للعلم ومستقبل الدين.
.........................................
الهوامش
[1] تمّ وضع غاليليو تحت الإقامة الجبرية في منزله لبقية سنين حياته، وتمّ قمع أفكار داروين منذ أن تمّ نشرها عام 1859 وما زالت من قبل العديد من الديانات، سلمان رشدي صدرت فتوى بهدر دمه منذ أن كتب روايته (آيات شيطانية) [Macmillan, 2000]، أما ثيو فان كوغ فقد تمّ قتله لأنه أنتج فيلماً قصيراً ينتقد فيه الإسلام.
[2] ريتشارد دوكينز: فيروسات العقل:
Richard Dawkins, Viruses of the Mind (Essay on line) (1991,accessed 20 Nov 2008 )
موجودة على الرابط التالي:
http://search.4shared.com/q/1/viruses%20of%20the%20mind
[3] ريتشارد دوكينز: الجين الأناني The Selfish Gene، ريتشارد دوكينز: وهم الإله The God Delusion، ودانييل دينيت: كسر التعويذة: الدين كظاهرة طبيعية Breaking The Spell: Religion as a Natural Phenomenon.
[4] هذه البنود الهامة تمّ استبدالها في المدارس بنسخ دينية تدرّس البدائل عن نظرية التطور، نظرية الخلق والتصميم الذكي، معارضة دراسات الخلايا الجذعية، القادة الدينيين يعلنون أنّ الأعاصير التي ضربت بعض المدن سببها غضب إلهي على تلك المدن كمدينتي أورلاندو أو نيو أورلينز، أمّا جورج بوش من جهته فهو يسمي الحرب على العراق بالصليبية.
[5] الأب جيري فالويل: يمكن إنقاذ أمريكا
America Can be Saved, Rev Jerry Falwell, Sword of the Lord Publishers, 1979_52-53
[6] بات روبرتسون: النطام العالمي الجديد
Pat Robertson: The new world Order, New Ed ed (Thomas Nelson, March 1992)
[7] غاري نورث: الشرك السياسي: أسطورة التعددية السياسية
Gary North: Political Polytheism: The Myth of Pluralism (Institute of Christian Economics, 1989).
كان غاري نورث قد تنبأ بالحرب التي ستدور بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي عام1985. إنه يؤمن بالقوانين المسيحية المطلقة والنهائية, كما أنه عضو في الكنيسة المشيخية في أمريكا.
[8] ورد في صحيفة The New Sentinel (Fort Wayn,IN) 16 Aug 1993 وتيري راندال مؤسّس جمعية "عملية الإنقاذ Operation Rescue". تيري الكاثوليكي، فنعد عدّة مشاجرات عنيفة، تطلّق تيري عام 2000 وهو الآن متزوج مرّةً أخرى وله ثلاثة أطفال. قائمة الذنوب الطويلة التي ارتكبها تيري بحق دينه هائلة، إلا أنها ليست الوحيدة، من بين أولئك المنمقين المنافقين الذين يرتدون عباءة الدين ويرتكبون مختلف أشكال الذنوب.
[9] المسلم الأمريكي: فتوى بن لادن، دعوة للحرب
The Americam Muslim, Bin Laden's Fatwa: A Call to Harabah.