الثلاثاء، 26 أبريل 2011

قصّة جين الحرية

بقلم: أميل إيماني
ترجمة إبراهيم جركس



الرب ((الآن أنا على وشك الانتهاء من عملية صنعك، لكن بقي هناك جين واحد فقط وينتهي الأمر))
الإنسان ((آه، يا إلهي، أنا متحمّسٌ جداً للمضيّ في طريقي))
الرب ((والآن، دعني أقل لك شيئا هاماً، وأريدك أن تستمع جيداً لما سأقوله لك، بما أني أحبك من كل قلبي، فسأمنحك هدية غالية جداً، سأمنحك "الحرية في الاختيار"، لكي تختار هذا المكوّن الأخير... هل تريد جيناً يحدّد خياراتك من تلقاء نفسه ويرشدك خلال حياتك، وأعني جيناً ارتكاسياً، غريزياً. أو تريد جيناً يمكّنك من القيام بخياراتك بنفسك_يعني جين الحرية؟))
الإنسان ((إلهي... بما أنك مطلق اللطف والسماحة، فقد منحتني الحرية لأختار بملء إرادتي في هذه المسألة الحيوية، فهل يمكنني الحصول على جين يمنحني السيطرة المطلقة على إدارة وتسيير شؤوني الخاصة؟ إذا كان ذلك غير ممكن، فسأكتفي بجين الحرية))
الرب ((أرى بأنك قد بدأت بالتخطيط مسبقاً. لا، ى يمكنك الحصول على أي شيء مطلق. فكافة الأمور المطلقة هي من اختصاصي انا وحدي. فجميع مخلوقاتي _ومن ضمنهم أنت_ من الأمور النسبية بالنسبة إليّ))
الإنسان ((بالتأكيد... إلهي... أنا أدرك جيداً أنّ كل ما يتعلّق بك مطلق، لا نهائي، ومثالي. لكن لا ضير في السؤال، أليس كذلك؟))
الرب ((هاه، حقاً لإنك متملّق صفيق. أرى بأني ارتكبت أول خطأ لي بخلقي إياك.)) قالها الرب وهو يهزّ إصبعه في وجه الإنسان الأول.
الإنسان ((سامحني، إلهي. أنا لم يكن قصدي بهذا الشكل الذي فهمته أنت)) يقول الإنسان مستغفراً.
الرب ((أنا أرى أيضاً بأنك تستخدم ملكة الخداع عليّ. لن تنجح يا صاحبي. وتذكّر بأني أرى كل شيء وأعرف كل ما يدور داخل رأسك، وكل ما يجول في خاطرك. فلا تحاول خداعي. أبداً))
الإنسان ((نعم، إلهي. لسبب ما اعتقدت بأنك طالما منحتني إياها، فبإمكاني استخدامها. وإلا، فلماذا أعطيتنيها؟ صحيح؟ لكن، أعتقد أنك على حق. فأنت محقٌ دائماً بلا استثناء. لذلك يجب أن أكون معك مستقيماً وصادقاً.)) يتواضع الإنسان الأول
الرب ((أرى بأن تستخدم إحدى حيلك الأخرى عليّ... أنت تتملّقني!!!)) يقول الرب بصوت ممازح
الإنسان ((لكن ربي، لماذا عليّ أن أصلّي لك وأشكرك على كل شيء؟ فأنت لا أستطيع أن أميّز الفرق بين الصلاة والتملّق، وما الفرق بينهما؟))
الرب ((عرفت منذ البداية بأني سأواجه بعض الإشكالات الأبدية معك، وقد بدأت منذ هذه اللحظة. لكن هذا هو السبب الرئيسي الذي دفعني لخلقك بأية حال. فليس هناك متعة في تسيير كل شيء حسب برنامج ثابت ومقرّر مسبقاً. فأنا بحاجة لبعض الإثارة، قليلاً من الإبداع، وحتى قليلاً من التحدّي في حياتي))
الإنسان ((إلهي، بالنسبة لموضوعنا الأساسي، من المثير أن أكون قادراً على القيام بأغلب خياراتي بحرية. فإذا كان القليل من الإثارة والإبداع والتحدي أمور جيدة بالنسبة لك، فهي بالتأكيد أمر جيد بالنسبة لي. لا أعرف كيف أشكرك على عرضك السخيّ هذا))
الرب ((حسناً، أي شيء جيد بالنسبة لي قد يكون جيداً بالنسبة لك، لكنه ليس مخصّصاً لك. لا تنسى ذلك أبداً. فأنا رب، وحدي من دون غيري. وأنا أصنعك على هيئتي وصورتي. لكني لم أصنع نسخة عني، مثلي. هناك فرق شاسع بين الاثنين. هل تفهم؟)) قال الرب محذّراً
الإنسان ((أفهم جيداً، إلهي. أشكرك...))
الرب ((جين الحرية من أغلى الممتلكات وأثمنها، وسيحاول الكثيرون سلبك إياه بالترغيب أو بالترهيب ليزدادوا هم قوةً وجبروتاً، في حين أنهم سيعملون على تحويلك إلى مجرّد إنسان آلي يسيّرونك حسب مشيئتهم. عليك أخذ الحيطة والاحتراس والحذر منهم، وحماية هذه الهدية الغالية بكلّ ما أوتيت من قوة، حتى ولو كلّفك الأمر حياتك... يا بني كن حذراً من ثلاثة أصناف من البشر: الدّجّالين، الديماغوجيين، والساسة. كما أنه سيظهر من حينٍ لآخر شخص ستجتمع فيه هذه الصفات الثلاثة السابقة))
الإنسان ((إلهي، نعم النصيحة هذه، وأنا ممتنٌ لك لتحذيرك إياي من هؤلاء. لكن أرجو منك إخباري كيف أعرف الادّعاءات الزائفة وأميّز بينها وبين الصحيحة؟))
الرب ((من ثمارهم يتعرفهم)) قال الرب مجيباً
الإنسان ((إلهي!! أنت تعلم بأني ذكي، لكني لست بهذه الدرجة من الذكاء لأفهم معنى هذا التعبير المجازي. أرجو منك أن تأخذني بعطفك وحنانك، وتشرح لي بتفصيل أدق))
الرب ((إذا شرحتُ لك هذا الأمر وفصّلته، فسيكون ذلك خرق واضح وصريح لامتيازات جين الحرية. جلّ ما يمكنني القيام به من أجلك هو إعطاؤك بعض العلامات التي تميّز هؤلاء: أي شخص يدّعي لنفسه امتيزات خاصّة ويزعم بأنّ له مكانة خاصّة عندي، يطلق وعوداً وتهديدات غريبة، يؤلّب الإنسان ضدّ أخيه الإنسان، ويحرّض على سفك الدماء بين البشر، ذلك هو الشخص الذي قصدته. لكنّ الحاقد الأكثر خطورةً بين هؤلاء هو ذاك الذي يزعم بأنه مرسلٌ من عندي))
الإنسان ((إلهي، أشكرك جزيل الشكر، لقد ساعدتني فعلاً))
الرب ((هناك أمر آخر عليك أن تتذكّره جيداً، وهو أنّ الميثاق الذي عقدته معي لا يُلزِمك أنت وحدك، بل أيضاً سلالتك التي سترث الأرض من بعدك. عليّ أن أنبّهك قبل أن تقوم باختيارك الأخير بأنّ الميثاق الذي عقدته معي للتوّ سيكون اسمه "العَهد"، والعهود التي يتم عقدها معي لا يمكن إلغاؤها أو نسيانها))
الإنسان ((أشكرك إلهي، لقد غمرتني بلطفك وإحسانك، ولا أعرف كيف أردّ لك هذا الجميل. من الواضح بأني عاجزٌ تماماً بما أنك مطلق اللطف والإحسان. لكني سأعبدك وأجلّك، وسأصلّي لك صباح مساء، إذا كان ذلك يسعدك إلهي))
الرب ((لا بأس بالصلاة. لكني أعرفك جيداً وأعرف ما يدور في خلدك دائماً، أنا أعرف بأنك ستلجأ للصلاة لتتملّقني وتطلب مني لكي أحقق لك حاجات ومطالب لا تخطر على بال. لكن لا تتوقع شيئاً مني. فما أن تقدم على خيارك وتصبح وحيداً، عليك أن تتعلّم كيف تعتمد على نفسك. لا تنسى ذلك أبدا.))
الإنسان ((نعم إلهي، أنا وجيع أحفادي من بعدي سنكون ممتنين عطفك وكرمك إلى الأبد، ولأنك سمحت لنا بأن نكون أسياد أنفسنا، وصنّاعاً أحرار لمصيرنا الخاص. بدل أن نكون مثل بعض أقربائنا مكتسي الشعر الذين ما زالوا يمشون على أربعة قوائم ويتسلّقون الأشجار))
لم تكن التفاحة المحرّمة هي التي أنزلت الإنسان من السماء إلى الأرض، بل كان قراره الأخرق لاختيار هذا الجين الذي يمنحه قوة لا مثيل لها للقيام بالخيارات الحرة، لكنه نسي أن يطلب من الرب أن يعطيه جين الحكمة ليرشده عندما يكون أمام عدّة خيارات. ومن هنا، فالعديد من الخيارات المبنية على الحقد والجشع والغباء التي تمّ اتخاذها على مرّ التاريخ  جلبت كافة أنواع المآسي والآلام للإنسان. لذلك تزايدت النداءات والصلوات إلى الرب ليرفع عنهم هذا البلاء الذي ابتلوا به منذ عهد جدهم الأول.
لكن هل من مجيب؟؟!!!!!!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق