انتهت الأفكار والآراء التقدمية الحرة إلى نهاية مسدودة في العالم الإسلامي بسبب أساليب القمع والعنف التي سادت تلك الفترة. وعندما أبدت القوى الكولونيالية بعض التسامح والشفافية، ولفترة وجيزة، في العالم الإسلامي، ظهر بعض المفكّرين الأحرار على الساحة. وبعد انسحاب تلك القوى الكولونيالية، سار العالم الإسلامي مرةً أخرى نحو التطرّف والأرثوذوكسية والتعصب الديني، وبشكل خاص بعد الانفجار البترولي في فترة السبعينات
من القرن الماضي. حيث تمت معاملته مفكّريه التقدميين الأحرار _الذين من المفترض أنهم مولّدو الأفكار التقدمية التي تسير بالمجتمع إلى التطور والازدهار والحضارة_ بقسوة وغلظة ووحشية منقطعة النظير من قبل السلطات الدينية التي عاملتهم كما تعامل العصابات والمجرمين.
طالما أنّ حالة عدم التسامح وقمع الأفكار المبدعة ما زالت
موجودة في العالم الإسلامي، فمن غير المرجّح أن ينتقل هذا العالم من الحالة الاستاتيكية الساكنة التي علق فيها ليتطوّر إلى مرحلة أكثر تقدّماً من كافة النواحي الروحية والمادية. التغيير غير محتمل في المستقبل القريب، إلا أنّ هناك بارقة أمل دوماً, فبعض المسلمين أو أحفاد المسلمين الذين طردوا من بلادهم _واستقبلهم الغرب الليبرالي واحتضنهم_ باتوا الآن يظهرون ملكاتهم وقدراتهم النقدية. فالمسلمون "المرتدّين" كابن الورّاق في كتابه الذي هزّ العالم الإسلامي "لماذا لستُ مسلماً"، وكتاب آيان حرسي علي الكاتبة الصومالية، تصدّرت كتبهما قائمة أكثر الكتب مبيعاً في العالم. الشيء الأهم هو أنهما يشيران بأصابعهما إلى الطبيعة الجامدة للدين الإسلامي، الذي يجب وضعه تحت دائرة النقد العلمي والعَلماني كما حدث بغيره من الديانات والمذاهب الأخرى.
يشير صموئيل هنتنغتون في كتابه ((صراع الحضارات The Clash of civilizations)) إلى حالة موجودة من الصراع القائم الذي تدور رحاه في الوقت الحالي بين الإسلام وباقي البشر. هذا الصراع قائم منذ الظهور الأول للإسلام وما زال في الوقت الحالي، وسيستمرّ لعدّة عقود. فالتاريخ الإسلامي _وبالتحديد حتى الفترة التي بدأت فيها التدخّلات الاستعمارية الأوروبية في كافة أقطار العالم الإسلامي_ ما هو إلا ملحمة دموية طويلة من الصراع والصدام المستمر بين المسلمين والكفّار. وقد راح ضحيتها مئات الملايين من الأرواح في العالم العربي وفي آسيا وإفريقيا وحتى أوروبا. حتى الولايات المتحدة لم تعد قصيّة وبعيدة عن تأثيرات هذا الصراع. والآن دارت رحى هذه الحرب مرة ثانية.
منذ وقوع أحداث الحادي عشر من سبتمبر 9/11، وبغضّ النظر عن من قام بها، وقع ما لايقل عن 12800 عمل إرهابي أو أعمال عنف استلهمها الإسلاميون كأفراد وجماعات إسلامية في كافة أرجاء العالم، وبعض تلك الأعمال كانت موجّهة ضدّ أهداف غربية، أمّا القسم الآخر من تلك الأعمال فقد تمّ توجيهه ضدّ أهداف شرقية، وحتى إسلامية من دون تمييز. وفي حين أنّ هذه الحرب تستنزف آلاف الأرواح سنوياً، فهناك ملايين الأرواح المعرّضة للخطر في المستقبل القريب. الإسلاميون هم الذين يغذّون لهيب هذه الحرب الجديدة باستمرار ضدّ جيرانهم من غير المسلمين في باقي أنحاء العالم، وهم وحدهم الذين يملكون الحلّ لوضع حدّ لهذه الحرب العشوائية. ولا يمكن لأي شيء أن يدرأ خطر هذا الاحتمال المريع سوى تجفيف منابع الإرهاب وتفكيك مفاهيم وأفكار كثيرة يعتمد عليها السلفيون والإرهابيون كمصادر ذرائعية لتبرير قيامهم بالأعمال الإرهابية الوحشية تحت اسم "الجهاد".
على هامش الحديث عن هذه الحرب الحضارية نقرأ خبراً ورد في الصحف عن جماعة إسلامية تسمي نفسها "مسلمون ضدّ الحملات الصليبية" تخطّط لاستهداف زفاف الأمير وليام، وأرسلت له تهديدات بأنها ستحوّل الزفاف الملكي إلى كابوس ما لم ينسحب هو وخطيبته من الخدمة في الجيش البريطاني*.
المشكلة هنا ليست في زفاف الأمير أو كونه وخطيبته يخدمان في الجيش البريطاني، وكأنّ الأمير يملك بيديه زمام الجيش، بل المشكلة هي أنّ ما شأن هؤلاء المحاربين الأشاوس ضدّ الحملات الصليبية والزفاف الصليبي للأمير، إذا كانوا يبتغون الجهاد في سبيل الله، فالأجدر بهم الذهاب إلى فلسطين المحتلة وتوجيه حملاتهم ضد الصليبيين الذين يقبعون على أراض الإسلام في بيت المقدس!!!!! إلا أني لا أظنّ أنّ أياً منهم يبغى الشهادة وهو يجلس معزّزاً مكرّماً في بريطانيا أو أي دولة أوروبية، ليذهب ويموت في فلسطين، فعند الامتحان يكرّم المرء أو يهان.
في النهاية، لا يمكن الانتصار في هذه الحرب عن طريق القوة العسكرية الغاشمة أو العمليات الإرهابية أو فنون الكرّ والفرّ التي تضطلع في أساليبها الجماعات الإرهابية والسلفية "المجاهدة"، فهذا النزيف البشري الذي يعانيه الإسلام سببه المفاهيم المعشّشة في صلب المنظومة الفكرية المتحنّطة للإسلام، والسياسات الفجّة والغليظة التي يتبعها أتباعه مع باقي أبناء الجنس البشري.
عسى أن تكون الأجيال الجديدة من المفكرين الأحراروالإمكانات التي بين أيديهم ستساعدهم أكثر على لفت الانتباه العالمي لرسالتهم، وتضع حداً لهذا الصراع القديم بين الإسلام وباقي أبناء البشر غير المسلمين. وإلا، فستخسر البشرية خسارة فادحة في هذه الحرب الحضارية.
والمسلمون هم الخاسرين حتماً...
إبراهيم جركس 19/4/2011
* مصدر: موقع سيريا نيوز الإلكتروني 17/4/2011
في النهاية، لا يمكن الانتصار في هذه الحرب عن طريق القوة العسكرية الغاشمة أو العمليات الإرهابية أو فنون الكرّ والفرّ التي تضطلع في أساليبها الجماعات الإرهابية والسلفية "المجاهدة"، فهذا النزيف البشري الذي يعانيه الإسلام سببه المفاهيم المعشّشة في صلب المنظومة الفكرية المتحنّطة للإسلام، والسياسات الفجّة والغليظة التي يتبعها أتباعه مع باقي أبناء الجنس البشري.
عسى أن تكون الأجيال الجديدة من المفكرين الأحراروالإمكانات التي بين أيديهم ستساعدهم أكثر على لفت الانتباه العالمي لرسالتهم، وتضع حداً لهذا الصراع القديم بين الإسلام وباقي أبناء البشر غير المسلمين. وإلا، فستخسر البشرية خسارة فادحة في هذه الحرب الحضارية.
والمسلمون هم الخاسرين حتماً...
إبراهيم جركس 19/4/2011
* مصدر: موقع سيريا نيوز الإلكتروني 17/4/2011
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق